فصل: التسمية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال سيد قطب:

التعريف بسورة الحجر:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
هذه السورة مكية بجملتها، نزلت بعد سورة يوسف، في الفترة الحرجة، ما بين عام الحزن وعام الهجرة.. تلك الفترة التي تحدثنا عن طبيعتها وملابساتها ومعالمها من قبل في تقديم سورة يونس وفي تقديم سورة هود وفي تقديم سورة يوسف بما فيه الكفاية..
وهذه السورة عليها طابع هذه الفترة، وحاجاتها ومقتضياتها الحركية.. إنها تواجه واقع تلك الفترة مواجهة حركية؛ وتوجه الرسول صلى الله عليه وسلم والجماعة المسلمة معه، توجيها واقعيا مباشرا وتجاهد المكذبين جهادا كبيرا. كما هي طبيعة هذا القرآن ووظيفته.
ولما كانت حركة الدعوة في تلك الفترة تكاد تكون قد تجمدت، بسبب موقف قريش العنيد منها ومن النبي صلى الله عليه وسلم والعصبة المؤمنة معه؛ حيث اجترأت قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم تكن تجترئ عليه في حياة أبي طالب، واشتد استهزاؤها بدعوته؛ كما اشتد إيذاؤها لصحابته.. فقد جاء القرآن الكريم في هذه الفترة يهدد المشركين المكذبين ويتوعدهم؛ ويعرض عليهم مصارع المكذبين الغابرين ومصائرهم؛ ويكشف للرسول صلى الله عليه وسلم عن علة تكذيبهم وعنادهم؛ وهي لا تتعلق به ولا بالحق الذي معه، لكنها ترجع إلى العناد الذي لا تجدي معه الآيات البينات، ومن ثم يسلي الرسول صلى الله عليه وسلم ويواسيه؛ ويوجهه إلى الإصرار على الحق الذي معه؛ والصدع به بقوة في مواجهة الشرك وأهله؛ والصبر بعد ذلك على بطء الاستجابة ووحشة العزلة، وطول الطريق!
ومن هنا تلتقي هذه السورة في وجهتها وفي موضوعها وفي ملامحها مع بقية السور التي نزلت في تلك الفترة؛ وتواجه مثلها مقتضيات تلك الفترة وحاجاتها الحركية. أي الحاجات والمقتضيات الناشئة من حركة الجماعة المسلمة بعقيدتها الإسلامية في مواجهة الجاهلية العربية في تلك الفترة من الزمان بكل ملابساتها الواقعية، ومن ثم تواجه حاجات الحركة الإسلامية ومقتضياتها كلما تكررت هذه الفترة، وذلك كالذي تواجهه الحركة الإسلامية الآن في هذا الزمان، ونحن نؤكد على هذه السمة في هذا القرآن.. سمة الواقعية الحركية.. لأنها في نظرنا مفتاح التعامل مع هذا الكتاب وفهمه وفقهه وإدراك مراميه وأهدافه..
إنه لابد من استصحاب الأحوال والملابسات والظروف والحاجات والمقتضيات الواقعية العملية التي صاحبت نزول النص القرآني.. لابد من هذا لإدراك وجهة النص وأبعاد مدلولاته؛ ولرؤية حيويته وهو يعمل في وسط حي؛ ويواجه حالة واقعة؛ كما يواجه أحياء يتحركون معه أو ضده، وهذه الرؤية ضرورية لفقه أحكامه وتذوقها؛ كما هي ضرورية للانتفاع بتوجيهاته كلما تكررت تلك الظروف والملابسات في فترة تاريخية تالية، وعلى الأخص فيما يواجهنا اليوم ونحن نستأنف الدعوة الإسلامية.
نقول هذه المقالة ونحن على يقين أنه لن يرى هذه الرؤية اليوم إلا الذين يتحركون فعلا بهذا الدين في مواجهة الجاهلية الحاضرة؛ ومن ثم يواجهون أحوالا وملابسات وظروفا وأحداثا كالتي كان يواجهها صاحب الدعوة الأولى- صلوات الله وسلامه عليه- والعصبة المسلمة معه.. من الإعراض والتولي عن هذا الدين في حقيقته الكبيرة الشاملة؛ التي لا تتحقق إلا بالدينونة الكاملة لله وحده في كل شأن من شؤون الحياة الاعتقادية والأخلاقية والتعبدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما يلقونه كذلك من الإيذاء والمطاردة والتعذيب والتقتيل كالذي كانت تلك العصبة المختارة الأولى تبتلى- في سبيل الله- به..
إن هؤلاء الذين يتحركون بهذا الدين في مواجهة الجاهلية؛ ويواجهون به ما كانت تواجهه الجماعة المسلمة الأولى.. هم وحدهم الذين يرون تلك الرؤية، وهم وحدهم الذين يفقهون هذا القرآن؛ ويدركون الأبعاد الحقيقية لمدلولات نصوصه. على النحو الذي أسلفنا، وهم وحدهم الذين يملكون استنباط فقه الحركة الذي لا يغني عنه فقه الأوراق، في مواجهة الحياة المتحركة التي لا تكف عن الحركة!
وبمناسبة هذه الإشارة إلى فقه الحركة نحب أن نقرر أن الفقه المطلوب استنباطه في هذه الفترة الحاضرة هو الفقه اللازم لحركة ناشئة في مواجهة الجاهلية الشاملة. حركة تهدف إلى إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الجاهلية إلى الإسلام؛ ومن الدينونة للعباد إلى الدينونة لرب العباد؛ كما كانت الحركة الأولى- على عهد محمد صلى الله عليه وسلم- تواجه جاهلية العرب بمثل هذه المحاولة؛ قبل أن تقوم الدولة في المدينة؛ وقبل أن يكون للإسلام سلطان على أرض وعلى أمة من الناس.
نحن اليوم في شبه هذا الموقف لا في مثله، وذلك لاختلاف بعض الظروف والملابسات الخارجية.. نحن نستهدف دعوة إلى الإسلام ناشئة في مواجهة جاهلية شاملة، ولكن مع اختلاف في الملابسات والظروف والحاجات والمقتضيات الواقعية للحركة، وهذا الاختلاف هو الذي يقتضي اجتهادا جديدا في فقه الحركة يوائم بين السوابق التاريخية للحركة الإسلامية الأولى وبين طبيعة الفترة الحاضرة ومقتضياتها المتغيرة قليلا أو كثيرا..
هذا النوع من الفقه هو الذي تحتاج إليه الحركة الإسلامية الوليدة.. أما الفقه الخاص بأنظمة الدولة، وشرائع المجتمع المنظم المستقر: فهذا ليس أوانه إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم، قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي!.. هذا النوع من الفقه يأتي في حينه؛ وتفصل أحكامه على قد المجتمع المسلم حين يوجد؛ ويواجه الظروف الواقعية التي تكون محيطة بذلك المجتمع يومذاك!
إن الفقه الإسلامي لا ينشأ في فراغ ولا تستنبت بذوره في الهواء!
ونعود إلى استكمال الحديث عن موضوعات السورة:
محور هذه السورة الأول:هو إبراز طبيعة المكذبين بهذا الدين ودوافعهم الأصيلة للتكذيب، وتصوير المصير المخوف الذي ينتظر الكافرين المكذبين، وحول هذا المحور يدور السياق في عدة جولات، متنوعة الموضوع والمجال، ترجع كلها إلى ذلك المحور الأصيل. سواء في ذلك القصة، ومشاهد الكون، ومشاهد القيامة، والتوجيهات والتعقيبات التي تسبق القصص وتتخلله وتعقب عليه.
وإذا كان جو سورة الرعد يذكر بجو سورة الأنعام. فإن جو هذه السورة- الحجر- يذكر بجو سورة الأعراف- وابتداؤها كان بالإنذار، وسياقها كله جاء مصداقا للإنذار- فهنا كذلك في سورة الحجر يتشابه البدء والسياق، مع اختلاف في الطعم والمذاق!
إن الإنذار في مطلع سورة الأعراف صريح: كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه، لتنذر به وذكرى للمؤمنين. اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء، قليلا ما تذكرون، وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أوهم قائلون. فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا الا أن قالوا:إنا كنا ظالمين..
ثم ترد فيها قصة آدم وابليس ويتابعها السياق حتى تنتهي الحياة الدنيا، ويعود الجميع إلى ربهم، فيجدوا مصداق النذير، ويلي القصة عرض لبعض مشاهد الكون:السماوات والأرض، والليل والنهار، والشمس والقمر، والنجوم مسخرات بأمره، والرياح والسحاب والماء والثمرات، ويلي ذلك قصص قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى:وكلها تصدق النذير..
وهنا في سورة الحجر يجيء الإنذار كذلك في مطلعها، ولكن ملفعا بظل من التهويل والغموض يزيد جوها رهبة وتوقعا للمصير:
{ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون}.
ثم يعرض السياق بعض مشاهد الكون:السماء وما فيها من بروج، والأرض الممدودة والرواسي الراسخة، والنبت الموزون، والرياح اللواقح، والماء والسقيا، والحياة والموت والحشر للجميع.. يلي ذلك قصة آدم وإبليس، منتهية بمصير أتباعه ومصير المؤمنين، ومن ثم لمحات من قصص إبراهيم ولوط وشعيب وصالح منظورا فيها إلى مصائر المكذبين، وملحوظا فيها أن مشركي العرب يعرفون الآثار الدارسة لهذه الأقوام، وهم يمرون عليها في طريقهم إلى الشام.
فالمحور في السورتين واحد، ولكن شخصية كل منهما متميزة؛ وإيقاعهما يتشابه ولا يتماثل، على عادة القرآن الكريم في تناوله لموضوعاته الموحدة، بطرق شتى، تختلف وتتشابه، ولكنها لا تتكرر أبدا ولا تتماثل! ويمكن تقسيم سياق السورة هنا إلى خمس جولات، أو خمسة مقاطع، يتضمن كل منها موضوعا أو مجالا: تتضمن الجولة الأولى بيان سنة الله التي لا تتخلف في الرسالة والإيمان بها والتكذيب. مبدوءة بذلك الإنذار الضمني الملفع بالتهويل: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون}.
ومنتهية بأن المكذبين إنما يكذبون عن عناد لا عن نقص في دلائل الإيمان:
{ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون}، وأنهم جميعا من طراز واحد: {ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين}
وتعرض الجولة الثانية بعض آيات الله في الكون:في السماء وفي الأرض وما بينهما، وقد قدرت بحكمة، وأنزلت بقدر: {ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين}.
وإلى الله مرجع كل شيء وكل أحد في الوقت المقدر المعلوم: {وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم}.
أما الجولة الثالثة فتعرض قصة البشرية وأصل الهدى والغواية في تركيبها وأسبابها الأصيلة، ومصير الغاوين في النهاية والمهتدين، وذلك في خلق آدم من صلصال من حمأ مسنون والنفخ من روح الله في هذا الطين. ثم في غرور إبليس واستكباره وتوليه الغاوين دون المخلصين.
والجولة الرابعة في مصارع الغابرين من قوم لوط وشعيب وصالح، مبدوءة بقول الله: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم، وأن عذابي هو العذاب الأليم ثم يتتابع القصص، يجلو رحمة الله مع إبراهيم ولوط، وعذابه لأقوام لوط وشعيب وصالح.. ملحوظا في هذا القصص أنه يعرض على قريش مصارع أقوام يمرون على أرضهم في طريقهم إلى الشام ويرون آثارهم: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم}.
أما الجولة الخامسة والأخيرة فتكشف عن الحق الكامن في خلق السماوات والأرض المتلبس بالساعة وما بعدها من ثواب وعقاب، المتصل بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو الحق الأكبر الشامل للكون كله، وللبدء والمصير: {وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل إن ربك هو الخلاق العليم ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} إلى آخر السورة. اهـ.

.قال الصابوني:

سورة الحجر مكية وآياتها تسع وتسعون آية.

.بين يدي السورة:

سورة الحجر من السور المكية، التي تستهدت المقاصد الأساسية للعقيدة الإسلامية الوحدانية، النبوة، البعث والجزاء. ومحور السورة يدور حول مصارع الطغاة، والمكذبين لرسل الله، في شتى الأزمان والعصور، ولهذ ابتدأت السورة بالإنذار والتهديد، ملفعا بظل من التهويل والوعيد {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأهل فسوف يعلمون}.
عرضت السورة لدعوة الأنبياء، وبينت موقف أْهل الشقاوة والضلالة من الرسل الكرام، فما من نبى إلا سخر منه قومه الضالون، من لدن بعثة شيخ الأنبياء نوح عليه السلام، إلى بعثة خاتم المرسلين، وقد بينت السورة أن هذه سنة المكذبين، في كل زمان وحين {ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون} الآيات.
وعرضت السورة إلى الآيات الباهرات، المبدعة في صفحة هذا الكون العجيب، الذي ينطق بأثار اليد المبدعة، ويشهد بجلال عظمة الخالق الكبير، بدءا بمشهد السماء، فمشهد الأرض، فمشهد الرياح اللواقح، فمشهد الحياة والموت، فمشهد الحشر والنشر، وكلها ناطقة بعظمة الله وجلاله، وشاهدة بوحدانيته وقدرته. {ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم} الآيات.
وعرضت السورة إلى قصة البشرية الكبرى قصة الهدى والضلال ممثلة في خلق آدم عليه السلام، وعدوه اللدود إبليس اللعين، وما جرى من سجود الملائكة لآدم، واستكبار إبليس عن السجود، واعتراضه على أمر الله وتوعده لذرية آدم {وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون} الآيات.
ومن قصة آدم تنتقل السورة إلى قصص بعض الأنبياء، تسلية لرسول الله عليه السلام، وتثبيتًا لقلبه الشريف، لئلا يتسرب إليه اليأس والقنوط، فتذكر قصة لوط، وشعيب، وصالح عليهم السلام، وما حل بأقوامهم المكذبين.
وتختم السورة الكريمة بتذكير الرسول صلى الله عليه وسلم بالنعمة العظمى عليه، بإنزال هذا الكتاب المجيد المعجز، وتأمره بالصبر والسلوان، على ما يلقاه من أذى المشركين، وتبشره بقرب النصر له وللمؤمنين {ولقد اَتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} إلى آخر السورة الكريمة.

.التسمية:

سميت السورة الكريمة سورة الحِجر لأن الله تعالى ذكر ما حدث لقوم صالح، وهم قبيلة ثمود وديارهم في الحِجر بين المدينة والشام، فقد كانوا أشداء، ينحتون الجبال ليسكنوها، وكأنهم مخلدون في هذه الحياة، لا يعتريهم موت ولا فناء، فبينا هم آمنون مطمئنون جاءتهم صيحة العذاب في وقت الصباح {فأخذتهم الصيحة مصبحين فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون}. اهـ.

.قال أبو عمرو الداني:

سورة الحجر مكية.
ونظيرتها في المدني الأخير والمكي مريم والواقعة وفي المدني الأول والشامي الواقعة فقط ولا نظير لها في الكوفي والبصري وكلمها ست مئة وأربعة وخمسون كلمة وحروفها ألفان وسبع مئة وأحد وسبعون حرفا وهي تسع وتسعون آية وليس فيها اختلاف ولا فيها شيء مما يشبه الفواصل.